الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: سيرة ابن هشام المسمى بـ «السيرة النبوية» **
قال ابن إسحاق : وهاجرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط في تلك المدة ، فخرج أخواها عمارة والوليد ابنا عقبة ، حتى قدما على رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألانه أن يردها عليهما بالعهد الذي بينه وبين قريش في الحديبية ، فلم يفعل ، أبى الله ذلك . سؤال ابن هنيدة لعروة عن آية المهاجرات ورده عليه : قال ابن إسحاق : فحدثني الزهري ، عن عروة ابن الزبير ، قال : دخلت عليه يكتب كتابا إلى ابن أبي هنيدة ، صاحب الوليد بن عبدالملك ، وكتب إليه يسأله عن قول الله تعالى : قال ابن هشام :واحدة العصم : عصمة ، وهي الحبل والسبب . قال أعشى بني قيس بن ثعلبة : إلى المرء قيس نطيل السرى * ونأخذ من كل حي عصم . وهذا البيت في قصيدة له . عود إلى جواب عروة : قال : فكتب إليه عروة بن الزبير : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان صالح قريشاً يوم الحديبية على أن يرد عليهم من جاء بغير إذن وليه ؛ فلما هاجر النساء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلى الإسلام ، أبى الله أن يرددن إلى المشركين إذا هن امتحن بمحنة الإسلام ، فعرفوا أنهن إنما جئن رغبة في الإسلام ، وأمر برد صدقاتهن إليهم إن احتبسن عنهم ، إن هم ردوا على المسلمين صداق من حبسوا عنهم من نسائهم ، ذلكم حكم الله يحكم بينكم ، والله عليم حكيم . فأمسك رسول الله صلى الله عليه وسلم النساء ورد الرجال ، وسأل الذي أمره الله به أن يسأل من صدقات نساء من حبسوا منهن ، وأن يردوا عليهم مثل الذي يردون عليهم ، إن هم فعلوا . ولولا الذي حكم الله به من هذا الحكم لرد رسول الله صلى الله عليه وسلم النساء كما رد الرجال ، ولولا الهدنة والعهد الذي كان بينه وبين قريش يوم الحديبية لأمسك النساء ، ولم يردد لهن صداقاً ، وكذلك كان يصنع بمن جاءه من المسلمات قبل العهد . قال ابن إسحاق : وسألت الزهري عن هذه الآية ، وقول الله عز وجل فيها : كان ممن طلق عمر بن الخطاب ، طلق امرأته قريبه بنت أبي أمية بن المغيرة ، فتزوجها بعده معاوية بن أبي سفيان ، وهما على شركهما بمكة ، وأم كلثوم بنت جرول أم عبيد الله بن عمر الخزاعية ، فتزوجها أبو جهم بن حذيفة بن غانم ، رجلاً من قومه وهما على شركهما . قال ابن هشام :حدثنا أبو عبيدة : أن بعض من كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له لما قدم المدينة : ألم تقل يا رسول الله إنك تدخل مكة آمنا ؟ قال : بلى ، أفقلت لكم من عامي هذا ؟ قالوا : لا ، قال : فهو كما قال لي جبريل عليه السلام . قال محمد بن إسحاق : ثم أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة حين رجع من الحديبية ، ذا الحجة وبعض المحرم ، وولي تلك الحجة المشركون ، ثم خرج في بقية المحرم إلى خيبر . قال ابن هشام : واستعمل على المدينة نميلة بن عبدالله الليثي ، ودفع الراية إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، وكانت بيضاء . قال ابن إسحاق : فحدثني محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي عن أبي الهيثم بن نصر بن دهر الأسلمي أن أباه حدثه : أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في مسيره إلى خيبر لعامر بن الأكوع : وهو عم سلمة بن عمرو بن الأكوع ، وكان اسم الأكوع سنان : انزل يا ابن الأكوع ، فخذ لنا من هناتك ، قال : فنزل يرتجر برسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : والله لولا الله ما اهتدينا * ولا تصدقنا ولا صلينا إنا إذا قوم بغوا علينا * وإن أرادوا فتنة أبينا فأنزلن سكينة علينا * وثبت الأقدام إن لاقينا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يرحمك الله ؛ فقال عمر بن الخطاب : وجبت والله يا رسول الله ، لو أمتعتنا به ! فقتل يوم خيبر شهيداً ، وكان قتله ، فيما بلغني أن سيفه رجع عليه وهو يقاتل ، فكلمه كلماً شديداً ، فمات منه ؛ فكان المسلمون قد شكوا فيه ، وقالوا : إنما قتله سلاحه حتى سأل ابن أخيه سلمة بن عمرو بن الأكوع رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك ، وأخبره بقول الناس ؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنه لشهيد وصلى عليه فصلى عليه المسلمون . قال ابن إسحاق : حدثني من لا أتهم ، عن عطاء بن أبي مروان الأسلمي ، عن أبيه ، عن أبي معتب بن عمرو : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أشرف على خيبر قال لأصحابه ، وأنا فيهم : قفوا ، ثم قال : " اللهم رب السماوات وما أظللن ، ورب الأرضين وما أقللن ، ورب الشياطين وما أظللن ، ورب الرياح وما أذرين ، فإنا نسألك خير هذه القرية وخير أهلها وخير ما فيها ، ونعوذ بك من شر أهلها وشر ما فيها ، أقدموا بسم الله " . قال : وكان يقولها عليه السلام لكل قرية دخلها . قال ابن إسحاق : وحدثني من لا أتهم عن أنس بن مالك ، قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا غزا قوما لم يغر عليهم حتى يصبح ، فإن سمع أذاناً أمسك ، وإن لم يسمع أذاناً أغار . فنزلنا خيبر ليلاً ، فبات رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا أصبح لم يسمع أذاناً، فركب وركبنا معه ، فركبت خلف أبي طلحة ، وإن قدمي لتمس قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، واستقبلنا عمال خيبر غادين ، قد خرجوا بمساحيهم ومكاتلهم ، فلما رأوا رسول الله ، صلى الله عليه وسلم والجيش ، قالوا : محمد والخميس معه ! فأدبروا هراباً ، فقال رسول الله صلى الله ليه وسلم : الله أكبر ، خربت خيبر ، إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين . قال ابن إسحاق :حدثنا هارون عن حميد ، عن أنس بمثله . قال ابن إسحاق : وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم حين خرج من المدينة إلى خيبر سلك على عصر ، فبنى له فيها مسجد ، ثم على الصهباء ثم أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم بجيشه ، حتى نزل بواد يقال له الرجيع ، فنزل بينهم بين غطفان ، ليحول بينهم وبين أن يمدوا أهل خيبر، وكانوا لهم مظاهرين على رسول الله صلى الله عليه وسلم . فبلغني أن غطفان لما سمعت بمنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيبر جمعوا له ، ثم خرجوا ليظاهروا يهود عليه ، حتى إذا ساروا منقلة سمعوا خلفهم في أمولاهم وأهليهم حساً ، ظنوا أن القوم قد خالفوا إليهم ، فرجعوا على أعقابهم ، فأقاموا في أهليهم وأموالهم ، وخلوا بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين خيبر . وتدنى رسول الله صلى الله عليه وسلم الأموال يأخذها مالاً مالا ، ويفتتحها حصناً حصنا ، فكان أول حصونهم افتتح حصن ناعم ، وعنده قتل محمود بن مسلمة ، ألقيت عليه منه رحا فقتلته ، ثم القموص ، حصن بني أبي الحقيق . وأصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم سبايا ، منهن صفية بنت حيي بن أخطب ، وكانت عند كنانة بن الربيع بن أبي الحقيق ، وبنتي عم لها ؛ فاصطفى رسول الله صلى الله عليه وسلم صفية لنفسه . وكان دحية بن خليفة الكلبي قد سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم صفية ، فلما أصفاها لنفسه أعطاه ابنتي عمها ، وفشت السبايا من خيبر في المسلمين . وأكل المسلمون لحوم الحمر الأهلية من حمرها ، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنهى الناس عن أمور سماها لهم . قال ابن إسحاق : فحدثني عبدالله بن عمرو بن ضمرة الفزاري عن عبدالله بن أبي سليط ، عن أبيه ، قال : أتانا نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل لحوم الحمر الإنسية ، والقدور تفور بها ، فكفأناها على وجوهها . قال ابن إسحاق : وحدثني عبدالله بن أبي نجيح ، عن مكحول : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهاهم يومئذ عن أربع : إتيان الحبالى من السبايا ، وعن أكل الحمار الأهلي ، وعن أكل كل ذي ناب من السباع ، وعن بيع المغانم حتى تقسم . قال ابن إسحاق : وحدثني سلام بن كركرة ، عن عمرو بن دينار ، عن جابر بن عبدالله الأنصاري ، ولم يشهد جابر خيير : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين نهى الناس عن أكل لحوم الحمر ، أذن لهم في أكل لحوم الخيل . قال ابن إسحاق : وحدثني يزيد بن أبي حبيب ، عن أبي مرزوق مولى تجيب ، عن حنش الصنعاني ، قال : غزونا مع رويفع بن ثابت الأنصاري المغرب ، فافتتح قرية من قرى المغرب يقال لها : جربة ، فقام فينا خطيباً ، فقال : يا أيها الناس ، إني لا أقول فيكم إلا ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوله فينا يوم خيبر ، قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : لا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسقى ماؤه زرع غيره ، يعني : إتيان الحبالى من السبايا ، ولا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يصيب امرأة من السبي حتى يستبرئها ولا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يبيع مغنماً حتى يقسم ، ولا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يركب دابة من فيء المسلمين حتى إذا أعجفها ردها فيه ، ولا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يلبس ثوبا من فيء المسلمين حتى إذا أخلقه رده فيه . قال ابن إسحاق : وحدثني يزيد بن عبدالله بن قسيط ، أنه حدث عن عبادة بن الصامت قال : نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر عن أن نبيع أو نبتاع تبر الذهب بالذهب العين وتبر الفضة بالورق العين ؛ وقال : ابتاعوا تبر الذهب بالورق العين ، وتبر الفضة بالذهب العين . قال ابن إسحاق : ثم جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يتدنى الحصون والأموال . فحدثني عبدالله بن أبي بكر أنه حدثه بعض أسلم : أن بني سهم من أسلم : أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : والله يا رسول الله لقد جهدنا وما بأيدينا من شيء ؛ فلم يجدوا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً يعطيهم إياه . فقال : اللهم إنك قد عرفت حالهم وأن ليست بهم قوة ، وأن ليس بيدي شيء أعطيهم إياه ، فافتح عليهم أعظم حصونها عنهم غناء ، وأكثرها طعاماً وودكاً ، فغدا الناس ، ففتح الله عز وجل حصن الصعب بن معاذ ، وما بخيبر حصن كان أكثر طعاماً وودكاً منه . قال ابن إسحاق : ولما افتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم من حصونهم ما افتتح ، وحاز من الأموال ما حاز ، انتهوا إلى حصنيهم الوطيح والسلالم ، وكان آخر حصون أهل خيبر افتتاحاً ، فحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بضع عشرة ليلة . قال ابن هشام :وكان شعار أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم يوم خيبر : يا منصور أمت أمت . قال ابن إسحاق : فحدثني عبدالله بن سهل بن عبدالرحمن بن سهل ، أخو بني حارثة ، عن جابر بن عبدالله ، قال : خرج مرحب اليهودي من حصنهم ، قد جمع سلاحه ، يرتجز وهو يقول : قد علمت خيبر أني مرحب * شاكي السلاح بطل مجرب أطعن أحياناً وحيناً أضرب * إذا الليوث أقبلت تحرب إن حماى للحمى لا يقرب * وهو يقول : من يبارز ؟ فأجابه كعب بن مالك ، فقال : قد علمت خيبر أني كعب * مفرج الغمي جرئ صلب وإذ شبت الحرب تلتها الحرب * معي حسام كالعقيق عضب نطؤكم حتى يذل الصعب * نعط الجزاء أو يفيء النهب بكف ماض ليس فيه عتب * قال ابن هشام : أنشدني أبو زيد الأنصاري : قد علمت خيبر أني كعب * وأنني متى تشب الحرب ماض على الهول جريء صلب * معي حسام كالعقيق غضب بكف ماض ليس فيه عتب * ندككم حتى يذل الصعب قال ابن هشام :ومرحب من حمير . قال ابن إسحاق : فحدثني عبدالله بن سهل ، عن جابر بن عبدالله الأنصاري قال : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من لهذا ؟ قال محمد بن مسلمة : أنا له يا رسول الله ، أنا والله الموتور الثائر ، قتل أخي بالأمس ؛ فقال : فقم إليه ، اللهم أعنه عليه . قال : فلما دنا أحدهما من صاحبه ، دخلت بينهما شجرة عمرية من شجر العشر ، فجعل أحدهما يلوذ بها من صاحبه ، كلما لاذ بها منه اقتطع صاحبه بسيفه ما دونه منها ، حتى برز كل واحد منها لصاحبه ، وصارت بينهما كالرجل القائم ، ما فيها فنن ، ثم حمل مرحب على محمد بن مسلمة ، فضربه ، فاتقاه بالدرقة ، فوقع سيفه فيها ، فعضت به فأمسكته ، وضربه محمد بن مسلمة حتى قتله . قال ابن إسحاق : ثم خرج بعد مرحب أخوه ياسر ، وهو يقول : من يبارز ؟ فزعم هشام بن عروة أن الزبير بن العوام خرج إلى ياسر ، فقالت أمه صفية بنت عبدالمطلب : يقتل ابني يا رسول الله ! قال : بل ابنك يقتله إن شاء الله . فخرج الزبير فالتقيا ، فقتله الزبير . قال ابن إسحاق : فحدثني هشام بن عروة : أن الزبير كان إذا قيل له : والله إن كان سيفك يومئذ لصارماً عضباً ، قال : والله ما كان صارماً ، ولكني أكرهته . قال ابن إسحاق : وحدثني بريدة بن سفيان بن فروة الأسلمي ، عن أبيه سفيان ، عن سلمة بن عمرو بن الأكوع ، قال : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر الصديق رضي الله عنه برايته ، وكانت بيضاء ، فيما قال ابن هشام : إلى بعض حصون خيبر ، فقاتل ، فرجع ولم يك فتح ، وقد جهد ؛ ثم بعث الغد عمر بن الخطاب ، فقاتل ، ثم رجع ولم يك فتح ، وقد جهد . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لأعطين الراية غداً رجلاً يحبه الله ورسوله ، يفتح الله على يديه ، ليس بفرار . قال : يقول سلمة : فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علياً رضوان الله عليه ، وهو أرمد ، فتفل في عينه ، ثم قال : خذ هذه الراية ، فامض بها حتى يفتح الله عليك . قال : يقول سلمة : فخرج والله بها يأنح ، يهرول هرولة ، وإنا لخلفه نتبع أثره ، حتى ركز رايته في رضم من حجارة تحت الحصن ، فاطلع إليه يهودي من رأس الحصن ، فقال : من أنت ؟ قال: أنا علي بن أبي طالب . قال : يقول اليهودي : علوتم وما أنزل على موسى ، أو كما قال . قال : فما رجع حتى فتح الله على يديه . قال ابن إسحاق : حدثني عبدالله بن الحسن ، عن بعض أهله ، عن أبي رافع ، مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : خرجنا مع علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه ، حين بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم برايته ؛ فلما دنا من الحصن خرج إليه أهله فقاتلهم ، فضربه رجل من يهود ، فطاح ترسه من يده ، فتناول على عليه السلام بابا كان عند الحصن فترس به عن نفسه ، فلم يزل في يده وهو يقاتل حتى فتح الله عليه ، ثم ألقاه من يده حين فرغ ، فلقد رأيتني في نفر سبعة معي ، أنا ثامنهم ، نجهد على أن نقلب ذلك الباب ، فما نقلبه . قال ابن إسحاق : وحدثني بريدة بن سفيان الأسلمي ، عن بعض رجال بني سلمة عن أبي اليسر كعب بن عمرو ، قال : والله إنا لمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر ذات عشية ، إذ أقبلت غنم لرجل من يهود تريد حصنهم ، ونحن محاصروهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من رجل يطعمنا من هذا الغنم ؟ قال أبو اليسر : فقلت : أنا يا رسول الله ؛ قال : فافعل ؛ قال : فخرجت أشتد مثل الظليم ، فلما نظر إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم مولياً قال : اللهم أمتعنا به . قال : فأدركت الغنم وقد دخلت أولاها الحصن ، فأخذت شاتين من أخراها ، فاحتضنتهما تحت يدي ، ثم أقبلت بهما أشتد ، كأنه ليس معي شيء ، حتى ألقيتهما عند رسول الله صلى الله عليه وسلم . فذبحوهما فأكلوهما . فكان أبو اليسر من أخر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم هلاكاً . فكان إذا حدث هذا الحديث بكى ، ثم قال : أمتعوا بي ، لعمري ، حتى كنت من أخرهم هلكاً . قال ابن إسحاق : ولما افتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم القموص ، حصن بني أبي الحقيق ، أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بصفية بنت حيي بن أخطب ، وبأخرى معها ، فمر بهما على قتلى من قتلى يهود ، فلما رأتهم التي مع صفية صاحت ، وصكت وجهها وحثت التراب على رأسها . فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : اعزبوا عني هذه الشيطانة ، وأمر بصفية فحيزت خلفه ، وألقى عليها رداءه ؛ فعرف المسلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد اصطفاها لنفسه . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لبلال ، فيما بلغني ، حين رأى بتلك اليهودية ما رأى ، أنزعت منك الرحمة يا بلال ، حين تمر بامرأتين علي قتلى رجالهما ؟ وكانت صفية قد رأت في المنام وهي عروس بكنانة بن الربيع ابن أبي الحقيق ، أن قمراً وقع في حجرها ، فعرضت رؤياها على زوجها ، فقال : ما هذا إلا أنك تمنين ملك الحجاز محمداً ، فلطم وجهها لطمة خضر عينها منها . فأتي بها رسول الله صلى الله عليه وسلم وبها أثر منه ، فسألها ما هو ؟ فأخبرته هذا الخبر .
|